الرجل الخفّاش
- الطيران الصناعيّ-
لم يكفِ الإنسان أنّه مالك الأرض برّها وبحرها، متسلّط على الخلائق، صامتها وناطقها، وأنّه بسط يده على الضعيف من الحيوان فاعتقله لخدمته وطعامه. وسلّط بأسه على القويّ فشرّده في مفاوز القفر وآجامه، وسطا على حيوان البحر، فأوصدت في وجهه مذاهب الفرار، وجاوره بسفنه فلم يجد على ذلك الجوار من فرار، حتّى طمح بطرفه إلى مسارح الهواء فودّ لو يزاحمها بجثمانه وينتقل إليها بكيانه بعد أن أخذ عليها شعاب الجوّ فلم ينجّها منه جناح سباق ولم يحمها منه تحليقها في أعالي السموات الطباق.
ولقد كان أمر الطيران قديمًا، له المخيّلة من غرائب، وكان في أوّل أمره صورة لا تتجاوز حدّ الخيال، ثمّ اكتسى ذلك الخيال ثوبًا من الوهم، فصار أُمنية تُشتهى تارةً ويُحلم بها أخرى، ثمّ تجسّمت تلك الأمنية فصارت خرافة تروى وحديثًا تناقله الآخرون عن الأوّلين.
وأوّل ما روي من ذلك ما جاء في أساطير الأوّلين من حديث "ديدال" حين هرب بابنه "ايكار" من الحصن الذي حبسا فيه في جزيرة " كريت"، بأن اتّخذ كلّ منهما لنفسه جناحين من ريش الطير ألصقاهما بالشمع وطارا من أعلى الحصن، فنجا "ديدال" وحلّق ابنه "ايكار" في الجوّ حتّى دنا من الشمس فذاب الشمع وانحلّ الجناحان فسقط في البحر وهلك.
وروي أيضًا: من أنّ "عباس بن فرناس" حكيم "الأندلس" احتال في تطيير جثمان نفسه، وكسا نفسه الريش ومدّ له جناحين وطار في الجوّ مسافةً بعيدة ولكنّه لم يحسن الاحتيال في وقوعه، فتأذّى في مؤخّره ولم يدر أنّ الطائر يقع على زمكاه ولم يصنع له ذنبًا.
الضياء السنة الأولى